وقد اختصر رحمه الله مسألة الذين ينكرون أو يؤولون العرش؛ لأن حقيقة الخلاف معهم ليست في إثبات العرش وإنكاره، وإنما الخلاف الحقيقي معهم هو في إثبات العلو والاستواء لله تعالى، فجرَّهم تأويل العلو والاستواء بعد ذلك إلى تأويل العرش والكرسي، والخلاف المحتدم هو في موضوع الاستواء، وهو ما سيأتي في شرح قول الإمام الطحاوي : [وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه] ويذكر رحمه الله بعضاً مما قاله شيخ الإسلام رحمه الله ومما ذكرناه سابقاً في مسألة إثبات العلو، ويذكر كلاماً طويلاً في ذلك، وأما هنا فأوجز رحمه الله؛ لأن المراد هنا إثبات أن العرش حقيقة، وهذا أمر ظاهر وجلي والنزاع فيه هين، والخطب فيه يسير، وسرعان ما تنهزم فلول المؤولين ويولون الدبر.
وفي الحقيقة فإن من يثبت العلو لله تعالى، فإنه يثبت تبعاً لذلك الاستواء، ويثبت النزول والمجيء أو الإتيان للحساب يوم القيامة وما أشبه ذلك، فمسألة العلو وإن كانت من الصفات؛ لكنها أخذت حيزاً مهماً في أبواب العقيدة ومباحثها، نتيجة لإنكار المنكرين ومكابرتهم في إثباتها، ولزعمهم أن ذلك يتضمن الحيز أو الجهة أو المكان أو ما أشبه ذلك، ولأن الرد عليهم فيها أيضاً واضح جلي؛ لأن كل ذي عقل وفطرة، يؤمن بعلو الله سبحانه وتعالى كما رأينا في أشعار الجاهليين، كما يقول أمية:
مجدوا الله فهو للمجد أهل
وقول عنترة :
يا عبل أين من المنية مهربي            إن كان ربي في السماء قضاها
وهكذا فرعون قال: ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ* أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ))[غافر:36-37]
وهكذا في كل العصور، إثبات العلو يقر به كل ذي عقل وكل ذي فطرة سليمة.
ولوضوح هذه المسألة من جهة ولكثرة الكلام فيها من جهة أخرى، أفردت بالبحث.